استقيظتُ مبكرة كعادتي بالرغم من أن اليوم هو يوم إجازتي، صغيرتي (ريم) كذلك اعتادت على الاستيقاظ مبكراً، وكنت حينها أجلس في مكتبي منشغلة بأوراقي.
👧🏻 ماما ماذا تكتبين؟
👩🏻 اكتب رسالة إلى الله
👧🏻 هل تسمحين لي بقراءتها؟
👩🏻 لا حبيبتي، هذه رسائلي الخاصة ولا أحب أن يقرأها أحد.
خرجت ريم وهي حزينة لكنها اعتادت على ذلك، فرفضي لها كان باستمرار.. مر على الموضوع عدة أسابيع، وفي إحدى الأيام، ذهبت إلى غرفة ريم ولأول مرة ترتبك ريم لدخولي !! يا ترى لماذا هي مرتبكة؟
👩🏻 ريم، ماذا تكتبين؟
👧🏻 لا شيء ماما، إنها أوراقي الخاصة.
👩🏻 قلت في نفسي: ترى ما الذي تكتبه ابنة التاسعة وتخشى أن أراه؟!
👧🏻 أكتب رسائل إلى الله كما تفعلين يا أمي، ولكن هل يتحقق كل ما نكتبه ماما؟
👩🏻 طبعا يا ابنتي، فإن الله يعلم كل شيء
لم تسمح لي بقراءة ما كتبت فخرجت من غرفتها واتجهت إلى زوجي المقعد (راشد) كي اقرأ له الجرائد كالعادة، كنت اقرأُ وذهني شارد مع صغيرتي، فلاحظ راشد شرودي، فظن بأن مرضه سبب حزني، فحاول إقناعي بأن أجلب له ممرضة كي تخفف علي هذا العبء.. لم أرد أن يفكر هكذا فحضنت رأسه وقبلت جبينه الذي طالما تعب من أجلي أنا وابنته ريم، واليوم يحسبني أحزن من أجل ذلك، وأوضحت له سبب حزني وشرودي..
ذهبت ريم إلى المدرسة، وعندما عادت كان الطبيب في البيت، فهرعت لترى والدها المقعد وجلست بقربه تواسيه بمداعباتها الحنونة.. وضح لي الطبيب سوء حالة راشد وانصرف، تناسيت أن ريم ما تزال طفلة، ودون رحمة صارحتها أن الطبيب أكد لي أن قلب والدها يضعف كثيراً وأنه لن يعيش أكثر من ثلاث أسابيع.. انهارت ريم وظلت تبكي.. قلت لها: ادعي له بالشفاء يا ريم، ولا تنسي رحمة الله، فهو القادر على كل شيء، أنصتت ريم ونسيت حزنها، وداست على ألمها وقالت: لن يموت أبي !!
في كل صباح تقبل ريم خد والدها الدافئ، ولكنها اليوم عندما قبلته نظرت إليه بحنان وتوسل وقالت: ليتك توصلني يوماً مثل صديقاتي، فغمره حزن شديد فحاول إخفاءه وقال لها: إن شاء الله سيأتي يوم وأوصلك فيه يا ريم.. وهو واثق أن إعاقته لن تكمل فرحة ابنته الصغيرة..
أوصلتُ ريم إلى المدرسة، وعندما عدت إلى البيت، غمرني فضول لأرى الرسائل التي تكتبها ريم إلى الله، بحثت في مكتبها ولم أجد أي شيء، ترى أين هي؟!! هل تمزقها بعد كتابتها؟ ربما يكون هنا، لطالما أحبت ريم هذا الصندوق فقد طلبته مني مراراً فأفرغت ما فيه وأعطيتها إياه.. يا إلهي إنه يحوي رسائل كثيرة وكلها إلى الله !!
يا رب.. يموت كلب جارنا سعيد لأنه يخيفني !!
يا رب.. قطتنا تلد قطط كثيرة ويمتن.. لتعوضها عن قططها التي ماتت !!
يا رب.. ينجح ابن خالتي لأني أحبه !!
يا رب.. تكبر أزهار بيتنا بسرعة، لأقطف كل يوم زهرة وأعطيها معلمتي !!
والكثير من الرسائل الأخرى وكلها بريئة…
يا إلهي كل الرسائل مستجابة، لقد مات كلب جارنا !! قطتنا أصبح لديها صغاراً، ونجح احمد بتفوق، كبرت الأزهار، ريم تأخذ كل يوم زهرة إلى معلمتها.. يا إلهي لماذا لم تدعو ريم ليشفى والدها ويرتاح من عاهته؟!!
شردت كثيراً.. ليتها تدعو له.. ولم يقطع هذا الشرود إلا رنين الهاتف.. ردت الخادمة ونادتني: سيدتي: المدرسة !
المدرسة !! ما بها ريم؟ هل فعلت شيء؟ أمسكت سماعة الهاتف، تحدثت المديرة قائلة: وقعت ريم من الدور الرابع وهي في طريقها إلى منزل معلمتها الغائبة لتعطيها الزهرة، وهي تطل من الشرفة.. وقعت الزهرة.. ووقعت ريم !!
كانت الصدمة قوية جداً.. لم أتحملها أنا ولا راشد.. ومن شدة صدمته أصابه شلل في لسانه.. فلم يستطيع الكلام بعدها أبدا.
لماذا ماتت ريم؟ لا أستطيع استيعاب فكرة وفاة ابنتي الحبيبة.. كنت أخدع نفسي كل يوم بالذهاب إلى مدرستها كأني أوصلها.. كنت أفعل كل شيء صغيرتي كانت تحبه.. كل زاوية في البيت تذكرني بها.. أتذكر رنين ضحكاتها التي كانت تملأ علينا البيت بالحياة.. ماتت ريم.. نعم ماتت.. ومرت سنوات على وفاتها..
في ذات يوم أتت الخادمة وهي فزعة وتقول أنها سمعت صوتاً صادراً من غرفة ريم !! هل يعقل ريم عادت؟ هذا جنون !! أصر راشد على أن أذهب وأرى ماذا هناك.. فتحت الباب فلم أتمالك نفسي.. جلست أبكي ورميت بنفسي على سريرها، إنه يهتز.. آه تذكرت !! قالت لي مراراً أنه يهتز ويصدر صوتاً عندما تتحرك، ونسيت أن أجلب النجار كي يصلحه لها.. ولكن لا فائدة الآن..
لكن ما الذي أصدر الصوت.. إنه صوت وقوع اللوحة التي زينت بآيات الكرسي التي كانت تحرص ريم على قراءتها كل يوم حتى حفظتها.. وحين رفعتها كي أعلقها وجدت ورقة بحجم البرواز وضعت خلفه !!
يا إلهي إنها إحدى الرسائل.. يا ترى ما الذي كان مكتوباً في هذه الرسالة بالذات؟!! ولماذا وضعتها ريم خلف اللوحة؟! إنها إحدى الرسائل التي كانت تكتبها ريم إلى الله وكان مكتوباَ فيها
(يا رب.. يا رب.. أموت أنا ويعيش بابا)